جمال المرأة بين الحقيقة و الوهم، و زينتها بين الدين و الواقع

77e1743829الجزء الأول

تأملت نفسها بارتياح بعد أن غيرت ملابسها للمرة الثالثة هذا الصباح لتبدو بالشكل الذي يرضيها. ألقت نظرة خاطفة على الساعة في معصمها وقررت أن تتنازل عن وجبة الإفطار فالوقت بالكاد يكفيها لإتمام زينتها. وقفت أمام المرآة، وضعت المرطب الخاص للحصول على بشرة مخملية غير باهتة، بسطت القليل من كريم الأساس لتوحيد لون البشرة ثم نثرت البودرة المضغوطة لإضفاء إشراقة مميزة. إستعملت قلم الكحل حول العينين، وضعت على جفنيها لونين من الظلال متماشيين مع ألوان لباسها، أضافت لمسات ناعمة بماسكارا عاقصة للرموش ثم مشطت الحواجب للأعلى وملأت الفراغ بشعيرات خفيفة بواسطة قلم الحواجب من نفس لون شعرها . وضعت أحمر الخدود لإضفاء نضارة على الوجه، حددت شفتيها بقلم خاص وملأتها بأحمر الشفاه من نفس اللون. وهكذا أنهت ماكياج الصباح الخفيف و ابتسمت لنفسها في المرآة دون أن تنتظر منها أن تخبرها أنها أجمل الجميلات فنظرات الإعجاب من المارة (و إن صاحبتها بعض المعاكسات) و عبارات الإطراء من زملائها و زميلاتها في العمل كفيلة بإرضائها. لبست حذاءها ذا الكعب العالي و حملت حقيبتها ثم خرجت تتهادى بثقة، شعرت بدفء أشعة الشمس تداعب وجهها، رفعت رأسها بكل تحد و خاطبتها: “تلألئي أو لا تتلألئي فإن لي واقيا يحميني من أشعتك فوق البنفسجية الضارة ببشرتي”.

تلك لمحة مختصرة عن الطقوس اللازمة للاستعداد للخروج عند كثير من النساء اللواتي يبحثن عن الجمال و يلهثن وراءه بكل الوسائل. طبعا لست بصدد إطلاق حملة لنصرة البشاعة و محاربة الماكياج (كما قد يتخيل البعض) و لكن في غمرة تساؤلاتي وجدتني أفكر وأتساءل عن المرأة و الجمال في عالمنا اليوم.

جبل الإنسان على حب الجمال في كل ما يحيط به، و لكن أصبح الجمال في كثير من مجتمعاتنا اليوم محصورا في المرأة خصوصا وربما بشكل مبالغ فيه في بعض الأحيان. و أقصد بذلك أننا اليوم أقل التفاتا إلى قيمة الجمال في بدائع الكون وفي الأشياء من حولنا.

 تعتبر مسألة مقاييس جمال المرأة من المواضيع المثيرة للجدل منذ الأزل. و لا يخفى التأثير الحضاري و الاجتماعي في تحديد هذه المقاييس و التي تتغير من عصر لآخر. و رغم تغير المعايير فإن فكرة الضغط الممارس على المرأة بفعل هذه المقاييس الخارجية و التي يحددها الآخرون لم تتغير بل تكرست بشكل أكبر في مجتمعات تمجد سلطة الصورة والجسد.

خبراء التجميل اليوم يقولون بأنه لا توجد امرأة دميمة أو لا تتمتع بجمال خاص، ولكن المرأة المسكينة لا تعرف غالبا مكامن الجمال و القبح في نفسها بل يلزمها استشارة أهل الاختصاص فهم أدرى بمواطن الجمال و لا يلزمها إلا اتباع نصائحهم التي لا تنتهي لإبراز جمالها باستعمال المراهم و الألوان و المساحيق و الإكسسوارات و اختيار الملابس و التسريحات التي ينصحونها بها.

طبعا كل يغني على ليلاه و يبحث عن مصالحه و له أن يعتبر أنه مبدع يحمل رسالة محاربة الدمامة و نشر الجمال و لو كان غير حقيقي، لكني لا أستسيغ فلسفة الجمال و التجمل السائدة اليوم  إطلاقا. الفلسفة التي تقوم على سلب المرأة صاحبة الشأن حقها في اختيار ما يناسبها بدعوى أن الخبراء يرون غير ذلك و أن قوانين الموضة هي التي تحكم. الفلسفة التي تقوم على تنميط الذوق الجمالي في المجتمع و قولبة النساء حسب أنماط جاهزة تعتبر هي المرجعية الوحيدة للجمال. الفلسفة التي تحاول إقناع المرأة أن السبيل الأول لرفع ثقتها بنفسها هو أن تلتزم بمعايير خارجية محددة تجملها في عيون الآخرين.  لا أتقبل هذا الحضور المهيمن للآخر في اختياراتنا وثقافتنا الذي كثيرا ما نربي عليه أبناءنا. الحضور المبالغ فيه للآخر في اختياراتنا و ووجودنا سمة غالبة في كثير من مجتمعاتنا تكرسها حتى الأمثال الشعبية:” كل حسب ذوقك (أو لا تأكل إطلاقا فمن ذا يراك) و البس حسب ذوق الناس”.

الإسلام في نظرته لجمال المرأة إنما يعتبره كنزا يتوجب صونه عن الأعين المتلصصة و ينأى بالمرأة عن أن تتحول إلى سلعة تُمتع نظر الآخر. لكن المؤسف أن فئات كثيرة من النساء تتبنى تصورا قائما على معايير متعارف عليها اجتماعيا فظهرت نماذج تستجيب لتصورات المجتمع أكثر من استجابتها لمفاهيم الإسلام. فمن جهة نجد نساء يفترض أنهن محتجبات يتفنن في تجميل ما ظهر من زينتهن كأن الحجاب مجرد غطاء للرأس. ومن جهة أخرى نجد محجبات تنازلن عن قيمة التجمل و الزينة حتى في بيوتهن كأنما لسان حالهن يقول ما دمنا نحجب جمالنا عن الآخر فما الداعي لأن نبرزه لأنفسنا أو للزوج وحده؟ و على طرف النقيض نجد أن غير المحجبات خصوصا العاملات منهن أو الأقل ملازمة للبيوت هن الأكثر عناية بجمالهن و اهتماما بأناقتهن على العموم.

أليس من العيب أن تتقبل الكثيرات منا أن تكن في بيوتهن بأقبح منظر بملابس لا تمت للتناسق بصلة و شعر منفوش و في أقصى حالات البهدلة، فإن طرق الباب هبت مسرعة لتتأنق و تتجمل؟ أليس من العيب أن تكون الزوجة في أبهى حلة و هي خارجة فإذا دخلت بيتها أزالت عنها كل أثر للتأنق و التجمل بدعوى أن ترتاح و تريح وجهها من الأصباغ و المساحيق و الملابس المتناسقة؟ أليست نفوسنا أولى بأن نعتني بها  لذواتنا قبل الآخر؟ أليس الزوج أحق بأن يمتع ناظريه و يسر بمرأى زوجته من الغرباء؟

هي أسئلة نابعة من واقعي المعيش ومن ملاحظتي للمجتمع في رحلة البحث عن معنى الأنوثة، عن الجمال كمكون أساسي يستمد أصوله من هويتنا و ذواتنا كنساء مسلمات قبل أن يكون تصورا جاهزا و نمطا فكريا سائدا نرثه و نتربى عليه،  عن معنى نعيه و نبنيه و نعيشه كل يوم. أسئلة و تأملات أتطرق إليها بإذن الله من خلال سلسلة من المقالات هذا أولها.

لا تبخلوا علي بآرائكم و تساؤلاتكم و اقتراحاتكم قرائي الأفاضل.