مهاجرة

6bdab936aeأزف الرحيل اليوم و نادى

فلملمت أوراقي و انطوت صفحاتي.

كذا قال لي و الهم باد في المحيا

و الدمع منه يسيل على الوجنات.

فقلت ما يبكيك يا صاح

أما خبرت قبل سنة الحياة.

قال لا و الله ما يحزنني

رحيلي و لا انقضاء ساعاتي.

أبكاني ما شهدت من المآسي

و سال الدمع لما سمعت من أنات.

أبكي شعوبا كادها القهر

و ذاقت من الظلم أيما ويلات.

أبكي أمة ترجو المجد

حسبت نصرها إباني ياتي.

أبكي الخلق ضيعوا أوقاتهم

و أيامهم ما عمرت بطاعات.

أبكيهم ضيعوا أعمارهم

أبكي ما اكتسبوا من الزلات.

زهدوا في المجد و المعالي

وانساقوا وراء الشهوات.

زادت سنينهم بي عاما

و ما جعلوها نابضة بالحياة.

أبكي أرضا استخلفوا فيها

فما رعوها و لا عمرت بطاعات.

فقلت و القلب يئن من كمد

و قد سالت على الخد عبراتي :

يكفيك إن كان الأمر كذا

تالله  نفسي أحق بالآهات.

يكفيك فخرا أنك نعمة

و منة من رب البريات

قد خلقت لغاية أديتها

و لحظاتك للخلق كن مسخرات.

يا نعمة جهلنا قيمتها

أضعناها فراح معنى الحياة.

يهيم المرء غافلا عن عمره

و يمضي به بساط الساعات.

أواه من عين جفت مآقيها

ونام جفنها عن مناجاة.

أواه من قلب خارت عزيمته

 يرجو همة و صحوة من سبات.

يا عام خذ همومي و أنت راحل

وارم في البحر أخطائي و زلاتي

لألملم شتاتي رغم الضعف و الكسر

و أهاجر حسبي الرحمان في نكباتي…

روعة الأمومة

images

منذ أن تعي الوجود تفتحين عينيك على وجه صبوح مشرق تتلألأ عيناه حبا وحنانا. ترين فيه عالمك و ترين في عينيه أنك عالمه.تهب إليك قبل أن تناديها. تتذوقين طعم الحنان بمجرد التلفظ باسمها. يغمرك شعور بالأمان و الاطمئنان… لأن لك أما.

ككل الأطفال تعشقين اللعب، تعتنين بدُماك، تغمرينها بحنان طفولي، تتأملينها برقة بريئة. تسرحين بمخيلتك بعيدا، تبتسمين حالمة: يوما ما سأصبح أما.

تمر الأيام و السنين، تكبرين و يكبر معك الحلم الجميل. تلتقين بفارس الأحلام، ترين فيه الزوج الكريم و الأب الذي سيزرع في رحمك بذرة الأمومة. تنعمين بدور الزوجة، تنشغلين بالحياة الجديدة، لكن سرعان ما يهمس صوت دافئ بداخلك: أحن لأن أصير أما.

ترفعين كفي الضراعة بالدعاء، تأخذين بكل الأسباب. تنتظرين باشتياق و لهفة، و لا غياب يفرحك كغياب علامة أنوثتك الحمراء، التي واظبت على مرافقتك بانتظام على مر السنين.تنتابك مشاعر مختلطة بمجرد أن تتأكدي من الحدث؛ فرح مشوب بشيء من الخوف و سعادة عارمة مع لمحة من الرهبة. تذرفين دموع التأثر… أنا الآن مشروع أم.

 تشعرين بالفخر و الامتنان لأن الله اصطفاك و استخدمك بشكل ما في عملية الخلق. تخوضين رحلة الحمل، تحسبين الأيام و الساعات. ينمو ذلك الكائن بداخلك و ينمو معه تعلقك به. تتحملين الآلام و الأوجاع و التعب، تتناسينها و تصبرين نفسك: تهون الآلام لأصبح أما.

 تتواصلين معه و تحدثينه، فيجيبك بضربات بريئة، يعلمك انه يستعد للخروج. تشتاقين إليه. تزف ساعة الوصول الميمون. تعيشين تجربة المخاض. تتلذذين بالعذاب و تعتبرينه عذبا ما دام آخر ما يفصلك عن اللقاء المرتقب. يصرخ صرخة محببة تسمعين من خلالها بأذن قلبك: أنت الآن أم.

 تبتدئ قصة حب عظيمة. يوقظ في داخلك أجمل ما فيك و أرق ما فيك. يتحول العالم إلى عالم طفولي و يصبح طفلك كل عالمك، عالم من البراءة و الرقة و الجمال. ترتسم على شفتيه ابتسامات يشرق بها قلبك و يفيض فرحا، تحسين بنفسك أسعد إنسانة في الوجود و تهتف كل خلية فيك: ما أروع أن أكون أما.

 تعيشين حياة جديدة ملؤها الحب و الحنان لا يعرف حلاوتها إلا من ذاقها.في عيني طفلك ترين آمالك و أحلامك، ترين الغد و المستقبل. تطمحين ليكون أفضل إنسان يحقق أمل الإنسانية فيه. تدركين أن أول خطوة في طريق التربية الصحيحة أن تربي نفسك أولا و أن تكوني أفضل لأنك القدوة. تستشعرين عظم المسؤولية؛ مسؤولية كونك أما.

 تمضين بيقين على درب الجد و الكفاح نحو الهدف؛ هدف صناعة إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى. تحسين بنفسك صلة وصل بين الأجيال، و حاملة لمشعل التغيير و جعل العالم مكانا أفضل. تتطلعين بثقة نحو الأفق، تستمدين القوة من كونك جزء ا من ثلاثية العظمة، تصدحين عاليا:

لي أم…

و أنا أم…

و سأصنع أما…

بل أمة.

السير الى الله

magalat-2222_255254873

لا زلت أحس أني لم أولد بعد، ميلادا جديدا في رحلة النور و طريق المعاني. صحيح اني احس انني بفضل الله احوم حول منابع النور، لكن و رغم قربي منها فما أبعدني عنها.
كفراشة أنا، أحوم حول النور و الفراشة تظل كذلك و إن كانت ستحترق. اما انا فارجو من الله ان لا يبعدني عن النور و ان لزم الامر ان احترق عساني اكون ممن كانت بداياتهم محرقة فأشرقت نهاياتهم.

لا زلت احترق بنار المعاصي والتقصير في جنب الله. لا زلت اكتوي بنار الغفلة و الانشغال بالدنيا و ملذاتها و همومها. لا زلت أعاند عزيمة أريدها ان ترتقي نحو الثريا وهي بالكاد تبارح الثرى. لا زلت أرثي نفسي و سيري الأعرج المتقاعس في طريقي إلى الله؛ أخطو خطوة إلى الأمام و تعيدني نفسي القهقرى. لازلت ابحث عن مكمن الداء و يقتلني الألم حين اجد ان نفسي هي الداء، أقنط منها و من تخبطها و مقاومتها لمجاهدتي لها، تخر قواي و أبكي حالي و الشيطان يحاول ان يهمس لي اني ربما لم أخلق لهذه الطريق…

لكن في الروح حنين الى لذة العبادة و القرب و اليقين. في القلب شوق الى المعالي لا يرتقي اليه حالي. في الوجدان آمال قصر عن بلوغها عملي. في الفؤاد خوف و وجل أن يسوء مآلي, وفي الخاطر وازع خير يستميت حتى لا يموت صوت جهاد النفس في داخلي…

أعود و أرنو إلى الأفق عسى يمن علي الله بنظرة من نظراته و نفحة تغيرني من حال الى حال. أشتم نسيم الفجر و أبحث عن عبق من ريح تلك الجنان تحلق بي في سماء السمو و الرقي على بساط الايمان و الاحسان. في موسم الخيرات ألملم شتات نفسي و أقبل على مولاي بضعفي و ذلي و تقصيري و ألمي، اسأله ان يعينني لأحرق الشهوات بالطاعات، و البعد بالقربات، و السيئات بالحسنات. اسأله ان يقويني لاشعل نار الجد و الجهاد في ركام العجز و الكسل حتى تشرق روحي بالأنس بالله و دخول جنة الدنيا قبل جنة الآخرة، فأحس إذاك أني أولد مع كل فجر حين تولد الحياة و حين يبتدئ الصباح أستنشق نفحات القرب، أصبح وأمسي في مقام اليقظة، و في كل يوم بل في كل خفقة قلب أخطو خطوة جديدة في طريق السلوك و السير الى الله.